جميع أنواع الرحمات في السر والعلن، ما ظهر منها وما بطن.
ووجه كتاب الله في هذا الربع خطابين اثنين إلى الناس أجمعين، لا فرق بين المؤمن والكافر، والبر والفاجر، ففي الخطاب الأول دعاهم إلى الإفاقة من سكرتهم وغفلتهم، واستحضار نعمة الله عليهم، والقيام بالشكر الواجب في حقهم، وذكرهم بأن كل ما يتصرفون فيه من أرزاق ويتقلبون فيه من نعم، إنما هو من فضله العميم، وعطائه الكريم، ثم نَعَى عليهم انصرافهم عن شكره، وتحديهم لأمره، وذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}، ومن رزق السماء المطر، ومن رزق الأرض النبات، وبدونهما لا يمكن للنوع الإنساني عيش ولا اقتيات، {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} من (الإِفك) بالكسر، وهو ممارسة الكذب، أو من (الأَفك) بالفتح وهو الصرف عن الأمر والانصراف عنه. وعقب كتاب الله على ذلك بأن ما تتعرض له رسالة الرسول من شغب وتشويه لا ينال مقام الرسول بسوء، وأن القول الأخير والفصل في شأن خصوم الرسالات، سيتم يوم الفصل، وذلك قوله تعالى:{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}.
وفي الخطاب الثاني الموجه إلى الناس كافة مثل الأول، دعاهم كتاب الله إلى التخلي عن الظن والشك والوهم والتخمين، والإيمان باليوم الآخر بجميع سوابقه ولواحقه عن بينة ويقين، وحضهم على الاعتدال في الأخذ من حظوظ الدنيا، بغية التفرغ