وفوق هذا كله ففي الآخرة نعمة هي أجل النعم وأكبرها جميعا، لأنها تفوق جميع نعم الدنيا، وتفضل جميع نعم الآخرة الأخرى، ألا وهي نعمة {رِضْوَانَ اللَّهِ} الذي يخلع حلته على المقبولين الرضيين من عباده {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} وهذه النعمة تتضمن كامل الإحسان وعظيم الامتنان، على من أكرمه الله بها من بني الإنسان، وترشحه للنظر إلى الملك الديان، بالإضافة إلى الخلود في نعيم الرحمان {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
ومما ينبغي التنبيه إليه من آيات هذا الربع قوله تعالى:{فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}، فهذه الآية لها مناسبة مع قوله تعالى في الربع الماضي {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} ومع قوله تعالى في سورة الكهف {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} ومع قوله تعالى في سورة النساء {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}، ومع قوله تعالى في سورة هود {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}، ومع قوله تعالى في سورة الواقعة {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}، ومع قوله تعالى في سورة التغابن {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}. وعلى هذا الأساس وفي هذا الإطار ينبغي تفسير قوله تعالى في سورة الشورى {وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ}، أي جمعهم في يوم الجمع، فتفسير القرآن بالقرآن هو أفضل وجوه التفسير وأولاها بالصواب.