بالمدينة، وعن الجماعات الأخرى المناهضة للإسلام التي واجهت المسلمين بالسوء، وعلى رأسها الجالية الإسرائيلية التي كانت قد هاجرت إلى تلك البقاع منذ أمد بعيد، فهذه السورة تشرح كيف استقبل بنو إسرائيل الدعوة الإسلامية، وكيف كان موقفهم من الرسول وأتباعه المهاجرين والأنصار، ويمتد الحديث في نفس الموضوع حتى يشمل الأطوار التي مر بها بنو إسرائيل عبر التاريخ، من سعادة إلى شقاء، ومن قوة إلى ضعف، ومن نصر إلى هزيمة، ومن اختيار لحمل الأمانة، إلى تجريد منها ودمغ بالخيانة، {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}.
كما يتناول الحديث فيها توضيح المنهج الذي اختاره لسلوك المسلمين في عباداتهم ومعاملاتهم، وتحديد النظام الإسلامي الذي شرعه لتنظيم حياتهم الخاصة، وحياتهم العامة فيما بينهم بعضهم مع بعض، وفيما بينهم وبين الملل الأخرى، وتتحدث سورة البقرة عن الأمانة الكبرى التي ادخرها الله للمسلمين، واختارهم لحملها إلى كافة الأمم، بعدما نكل عنها أولئك الذين نقضوا عهد الله وميثاقه من أهل الكتاب، وتحذر السورة المسلمين من عثرات بني إسرائيل وانتكاساتهم المتوالية، وتبصرهم بما نالهم من سوء العاقبة، جزاءا وفاقا لعنادهم وتمردهم على الله ورسله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.
وهكذا جعل القرآن الكريم من بني إسرائيل مضرب المثل للمسلمين في حالتي السعادة والشقاء، والهدى والضلال، والرضى