الكافرين، بل أنذرهم بالتبرئ من كل من لا يمتثل هذا النهي البات. وبراءة الله من عبده معناها أن يكله إلى نفسه، وأن يخذله خذلانا مبينا، وقوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} استثناء من هذا الأصل يستند إليه الذين استضعفوا في الأرض، ممن وقع في قبضة الكافرين، وخاف على نفسه من شرهم في بعض البلدان وبعض الأوقات، فالمستضعف المغلوب على أمره أباح الشرع له أن يتقي شرهم بظاهره، لا بباطنه ولا بعمله، قال ابن عباس:" ليس التقية بالعمل، إنما التقية باللسان ".
ثم عقبت الآية على هذا النهي الصريح، والبراءة المترتبة على مخالفته، بقوله تعالى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} وهذا أقوى أساليب التحذير، وأشد أنواع الإنذارات إذ ما يفعل الإنسان الضعيف أمام تحذير القاهر الجبار، وهو في معنى قوله تعالى في سورة الإسراء {أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا}.
وقد ذكر القاضي أبو بكر (ابن العربي) المعافري في كتابه " أحكام القرآن " أن عمر بن الخطاب نهى أبا موسى الأشعري عن ذمي كان استكتبه باليمن، وأمره بعزله، غير أن القاضي ابن العربي عاد فذكر أن الاستعانة بغير المسلم لا بأس بها إن كانت فيها فائدة محققة، وانفصل على ذلك، والله تعالى أعلم بالصواب.