والآن فلنشرع على بركة الله في تفسير سورة (ص) المكية أيضا:
لقد ركزت الآيات الأولى من هذه السورة اهتمامها، في إلقاء الأضواء على خصوم الرسالة المحمدية، وكشف الستار عن السبب الدفين والوحيد في خصومتهم وعنادهم، فهم من جهة أُولى أهل {عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}، وهم من جهة ثانية مقيدون بسلاسل التقليد الأعمى لا يستطيعون عنه حولا، وذلك قوله تعالى فيما يتصل بالنقطة الأولى:{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}، " والعزة " هنا بمعنى الاستكبار والحمية، و " الشقاق " بمعنى التعصب والعناد، ثم قوله تعالى فيما يتعلق بالنقطة الثانية: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٤) أجعل الآلهة إلها واحدا، إن هذا، لشيء عجاب}.
على أن قادة الشرك وزعماء الوثنية لم يكتفوا بما هم عليه في ذات أنفسهم من كبر وعناد، وتقليد للآباء والأجداد، بل راحوا ينظمون الحملات تلو الحملات، لحمل عامة المشركين على التمسك بالوثنية وتشكيكهم في دعوة التوحيد، مدعين زورا وبهتانا أن الملل السابقة على الإسلام لا تؤيد رسالة خاتم الأنبياء عليه السلام، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ