ومغزى هذا الجزء ومعناه الذي يدل عليه السياق هو أن العزيز الوهاب الذي أكرم نبيه داوود، وأنعم عليه بالحكمة والسلطان، وتسخير الإنسان والجماد والحيوان، لن يكل رسوله محمدا إلى نفسه، ولن يتركه عرضة لأذى المشركين وسيطرتهم، بل إنه سينصره عليهم، وسيظهر دينه على أباطيلهم، وسيجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، ودولته أكبر دولة عرفها العالم، فلا ينبغي له أن يبتئس أو ييأس، وهو في غمرة الكفاح مع الشرك والمشركين، {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(٧: ١٢٨).
أما القسم الأخير من نفس الآيات في نفس الموضوع، وهو ما جاء في بداية هذا الربع الذي نحن بصدد تفسيره، فهو تقرير "ضمني" لأن الله تعالى عندما يكل إلى رسله سلطة الحكم بين الناس، والخلافة عنه فيهم، لن يتركهم حيارى يتخبطون في مشاكل الخلق ونزاعاتهم، دون مدد ولا سند، بل إنه سبحانه يمدهم برعايته وعنايته، وتوفيقه وتوجيهه، باستمرار، ولا يقرهم في أي شأن من الشؤون على الخطأ، إذا اجتهدوا وتعرضوا للخطأ من غير قصد، وكما أمد الحق سبحانه وتعالى داوود عليه السلام برعايته وتوجيهه، عندما أولاه مقاليد الحكم، فسيمد رسوله محمدا عليه السلام بنفس المدد، عندما يحين الوقت لذلك، وينصر رسوله، ويظهر دينه، ويقيم دولة الإسلام الكبرى، الخالدة إلى يوم الدين.
وعلى ضوء هذا المعنى نفهم قوله تعالى مخاطبا لخاتم الأنبياء والمرسلين: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا