وذكر كتاب الله الناس أجمعين بما يتعرض له كل إنسان من " الوفاة الصغرى " عند النوم، و " الوفاة الكبرى " عند الموت: وأن بيده سبحانه أرواح الخلق، يمسك منها ما يشاء، ويرسل منها ما يشاء، فقال تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، وسبق هذا المعنى بتفصيل في سورة الأنعام (٦١: ٦٠).
وفي هذا الربع آية عجيبة هي وحدها كافية لأن تكون إحدى المعجزات إذ إنها وصفت بكل دقة ملامح الشاكين والمترددين، ومشاعر الملحدين الضالين، لا في عهد الجاهلية الأولى وحدها ولكن في جميع العصور، أولئك الذين إذا ذكر الله اشمأزت قلوبهم، وانقبضت نفوسهم، وإذا ذكر الذين من دونه هشوا وبشوا وانطلقت أسارير وجوههم، وذلك قوله تعالى:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}، والسر فيما عليه هذا الفريق من التنكر للهداية، والتفتح للضلال، هو ما أصابهم من انحراف الفطرة، نتيجة لسوء التربية وفساد التوجيه، فتنكروا لجميع القيم الروحية، واستهانوا بسائر المثل العليا، وأكبرها وأجلها الإيمان بالله، والثقة بتوجيهه، وانشراح الصدر لإشراق نوره، وتلقي مدده، وحيث أن الإسلام دين الإقناع والاقتناع، لا دين الإكراه والاستكراه فقد جاء التعقيب مباشرة على الآية التي وصفت المنحرفين الضالين، بقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ