وابن عباس وجملة من مفسري السلف هو أن أحسن تفسير لهذه الآية يؤخذ من نص الآية الثانية والعشرين، الواردة في سورة البقرة، حيث قال تعالى مخاطبا للكافرين محتجا عليهم (٢٨): {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، فمعنى {كُنْتُمْ أَمْوَاتًا}، في هذه الآية: كنتم عدما قبل أن يمن الله عليكم بنعمة الإيجاد، على حد قوله تعالى في آية أخرى (١: ٧٦): {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}، ومعنى {فَأَحْيَاكُمْ}: أخرجكم من العدم ونفخ فيكم روح الحياة، ومعنى:{ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} أي: يقبض أرواحكم عند حلول الأجل ومفارقة الدنيا، ومعنى {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، أي: يبعثكم من مرقدكم يوم القيامة للحساب في دار الجزاء، وبذلك يتضح معنى الموتتين ومعنى الحياتين، وهكذا يكون الموت الأول -على سبيل المجاز- هو العدم السابق قبل الخلق، والموت الثاني بالنسبة إليه هو قبض الروح عند مفارقة الدنيا، وهذا هو أول " موت حقيقي " بعد ممارسة الحياة، وقد نفى كتاب الله الابتلاء به في دار النعيم بعد الابتلاء به في الدنيا، فقال تعالى في سورة الدخان (٥٦): {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى}، أما الحياة الأولى فهي الخلق والإيجاد بعد العدم، أو الحياة الثانية فهي الإحياء للبعث يوم القيامة، وهذا القول في تفسير الآية هو الذي اختاره ابن عطية، وصححه ابن كثير، ترجيحا لتفسير القرآن بالقرآن. ويسجل كتاب الله ما يتميز به الموقف في يوم القيامة من الهول والجلال والسلطان الإلهي المطلق، والعدل الإلهي الكامل،