ومشاهدة البقية الباقية من حضارتها الذاهبة، ففي ذلك العبرة البالغة، والدليل القاطع، على المصير المظلم الذي ينتظر الضالين، والنهاية المخزية التي تصيب الكافرين، وذلك قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، ففي هذه الآية وما ماثلها بين الحق سبحانه وتعالى ما أصاب الأمم الغابرة، والحضارات القديمة، من التلاشي والزوال، وما نزل بساحتها من الدمار والاضمحلال، ويؤكد كتاب الله أن أكبر سبب للدمار الذي أصابها، والاضمحلال الذي نزل بها، هو أنها سلكت طريقا مضادا من كل الوجوه، للتوجيه الإلهي الرشيد، الذي جاء به الأنبياء والرسل، ولم تتبع سنة الله التي رسمها لصلاح الخلق ورشادهم في هذه الدنيا، فانقلبت قوتها القاهرة، إلى ضعف وفناء، وأصبحت آثارها الباهرة، عبارة عن أطلال وأشلاء، رغم كل ما بذلته في سبيلها من المال والجهد والعناء، {كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ}.
وتتولى الآيات التالية فيما بعد عرض نموذج حي من الحضارات الزائلة والأمم الغابرة، وذلك بالحديث عن قصة موسى الكليم وفرعون مصر، حديثا يكشف الستار، عما جرى من الصراع بين الحق والباطل في تلك الديار، فها هو موسى