لنزول القرآن، وأن أول ليلة وقع بدأ نزوله فيها هي إحدى ليالي رمضان، وهي بالذات (ليلة القدر) التي هي عند الله خير من ألف شهر، وهذه الليلة هي التي نوه بها كتاب الله في فاتحة هذه السورة التي نحن بصدد تفسيرها، حيث وصفها بأنها (ليلة مباركة)، لأن القرآن الذي ابتدأ نزوله فيها كان أكبر بركة أنعم الله بها على بني آدم، بما فتح لهم من آفاق جديدة في العلم والمعرفة، وما هداهم إليه من وجوه الإصلاح الروحي والمادي لمختلف مرافق الحياة، وما أتاح لهم من الوسائل الفعالة، لترميم صرح الحضارة المتداعي، وبعث الإنسانية من مرقدها الطويل.
وقوله تعالى:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} إشارة إلى ما تولى كتاب الله الكريم بيانه من معالم الدين، وما شرعه من الأوامر والنواهي التي جعلها شرعة خالدة للمسلمين، ومنهاجا دائما للمؤمنين، فما من أمر أو نهي في كتاب الله إلا وهو يتضمن من الحكمة والرشاد، ما يضمن صلاح العباد {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}(٨: ٩٥).
وقوله تعالى في وصف كتابه:{رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ} تعريف لعباده المؤمنين بأبرز خاصة من خواص كتابه الكريم، فلا يعرف في تاريخ البشرية أن كتابا غير القرآن ماثله- فضلا عن أن يفوقه- في الأخذ بيد الإنسان، وتحريره من سيطرة الأوهام ورق الأوثان، ودفع عجلة تقدمه ونهضته إلى أقصى حدود الإمكان، ويكفي لتقدير فضله الواسع، ومعرفة تأثيره العميق، إلقاء نظرة ولو بسيطة