وهذه الآية الكريمة تصف في الأصل حال الكتابيين الذين كانوا يعايشون المسلمين بالمدينة وما حولها، وتبين أنهم ليسوا أهلا لثقة المسلمين، ولا أهلا لائتمانهم، إذ إن أولئك الكتابيين في مجموعهم لا يلتزمون جميعا الأمانة في معاملاتهم مع المسلمين، بل فيهم من يلتزمها حتى في المبلغ الكبير كالقنطار من الذهب والفضة، وفيهم من لا يلتزمها ولو في المبلغ الزهيد كالدينار الواحد وما ماثله.
وعدم التزام فريق منهم للأمانة يجعلهم جميعا عرضة للشك والريب، حيث لا يدري الذي يتعامل معهم هل أنه يتعامل مع أمين أو مع خائن، إذن فالأولى والأفضل للمسلمين، وهم في بداية تنظيم المجتمع الإسلامي وإقامة دعائم الدولة الإسلامية، أن لا يعرضوا أموالهم لخطر، وأن يكتفوا بالتعامل فيما بينهم، وأن يتركوا التعامل مع الكتابيين بالمرة.
وتأكيدا لهذا التوجه الإسلامي أشار كتاب الله إلى أن الكتابيين الذين لا يلتزمون الأمانة في معاملاتهم اختلقوا لذلك عذرا دينيا ومبررا شرعيا يبررون به خيانتهم للمسلمين، ألا وهو أن الأمانة الواجبة في المعاملات إنما تجب على أهل الكتاب فيما بينهم بعضهم مع بعض، لا فيما بينهم وبين غيرهم من المسلمين، وجاءت تسمية المسلمين على لسان أولئك الكتابيين في هذه الآية باسم (الأميين) وهم يقصدون بذلك من لم ينزل عليهم كتاب من عند الله، مما يبين استمرار عنادهم وإصرارهم على إنكار رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإنكار الوحي المنزل عليه، وبذلك قرروا أن