الانهماك في اللذات، والإسراف في الشهوات، على نحو بهيمي سافل، فيقول:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ}، فهم لا يعرفون إلا شهوتي البطن والفرج، يقبلون عليها بنهم وشبق وهمجية بالغة، وهم قلقون متهافتون في كل لحظة من اللحظات على هذا النوع من العيش باستمرار، إذ يرون أن حياتهم على سطح الأرض قصيرة الأجل، محدودة المدى، ولا أمل لهم ولا رجاء فيما وراءها، لأنهم لا يؤمنون بحياة ثانية أطول أمدا، وأفضل نعمى، كما هو شأن المؤمنين الذين يدخرون من يومهم لغدهم، ومن دنياهم لآخرتهم والذين تنتظرهم عند الله حياة أدوم وأخلد، وأفضل وأسعد، {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ}.
ويشير كتاب الله في هذا الربع إلى الضغط المادي والأدبي الذي مارسه مشركوا قريش لمحاصرة الدعوة الإسلامية، حتى اتجه الرسول ومن معه من أصحابه إلى مفارقة مكة والانتقال عنها إلى المدينة، الأمر الذي يوازي في لغة الواقع إخراج قريش للرسول من مكة، مهد الرسالة ومنزل الوحي الأول، مبينا أن ما تعتز به قريش - المهيمنة إذ ذاك على مقاليد مكة - من القوة والمال والرجال، لا يقف أمام قوة الله وقدرته، فقد أهلك الله قبلها ديارا