وخُتم هذا الربع بالحديث عن قصة إبراهيم وضيوفه من الملائكة المكرمين، وكيف أن إبراهيم الخليل عليه السلام استقبل ضيوفه أحسن استقبال، حتى أصبح عمله دستورا في " آداب الضيافة " معمولا به عند السلف والخلف، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في هذه القصة:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ}، ثم قوله تعالى:{فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ}، أي أن إبراهيم جاء لضيوفه بالطعام بسرعة ودون سابق إشعار، {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} أي أنه أتى بأفضل ما عنده، وهو عجل فتي مشوي {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} أي وضعه بين أيديهم، ثم قال لهم على سبيل العرض والتلطف، لا على سبيل الأمر والتكلف:{أَلَا تَأْكُلُونَ}؟.
واشتمل سياق هذه القصة على تبشير الملائكة لإبراهيم بغلام يولد له:{وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ}، لكن امرأته استغربت من هذه البشرى، نظرا لكونها تشعر أنها {عَجُوزٌ عَقِيمٌ} إلا أن الملائكة ردوا عليها ردا يزيل من ذهنها كل تعجب واستغراب، {قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}، وقد حقق الله لإبراهيم وزوجه هذه البشرى بولادة إسحاق عليه السلام، لأن الأقدار الإلهية هي التي تكون نافذة الأحكام على الدوام، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(يس: ٨٢)