{إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}، لأنه سبحانه كما يعلم ما كان وما يكون، يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}، أي: لكي لا تحزنوا وتأسفوا على ما فاتكم، إذ لو قدر شيء لكان، {وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}، أي: لكيلا تفخروا على غيركم بما أنعم الله به عليكم، فلا تتخذوا نعم الله أشرا وبطرا، وفخرا وزهوا، إذ مرجعها قبل كل شيء إلى فضل الله وإحسانه، لا إلى مجرد سعيكم وكدكم، كما قد يخيل إليكم:{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}، أي أنه سبحانه لا يحب كل متكبر فخور على غيره، قال عكرمة:" ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، لكن اجعلوا الفرح شكرا، والحزن صبرا ".
وأوضح كتاب الله مرة أخرى حكمة الحق سبحانه في إرسال الرسل وإنزال الكتب، وأنها لا ترمي إلا إلى شيء واحد وهو إسعاد الإنسان بالهداية والإرشاد، وإقامة ميزان العدل والمساواة بين العباد، وذلك قوله تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}.
و" الكتاب " هنا إشارة إلى سجل الوحي الإلهي المتضمن للشرائع والأحكام، و " الميزان " هنا رمز إلى العدل الإلهي الذي أرسل الله به ولإقامته جميع الرسل والأنبياء، وكما جاء " الميزان " هنا معطوفا على " الكتاب " لأنه هو هدفه الأسمى وغايته الأخيرة، فقد جاء " الكتاب والحكم " و " الكتاب والحكمة " متعاطفين في عامة القرآن، تأكيدا لتلازم الشريعة الإلهية مع الحكم بها بأسلوب حكيم، وإقامة العدل على أساسها السليم. وذكْرُ القرآن الكريم