للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم شرعت الآيات الكريمة في وصف حصار " بني النضير " وجلائهم، فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}، وفي هذه الآية إشارة إلى أن الوضع المادي الذي كان عليه " بنو النضير " من المال والسلاح والحصون كان يوحي إليهم بأنهم في عز ومنعة، بحيث لا يستطيع أن يطاولهم أحد، فضلا عن أن ينتصر عليهم: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ}، كما كان هذا الوضع نفسه يوحي إلى الجماعة الإسلامية الناشئة بأن الاستيلاء على " بني النضير " يحتاج إلى تضحيات جُلى، إن لم يكن في حكم المتعذر بالمرة، {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا}، فلما فتحوا أبواب حصونهم وخرجوا منها مستسلمين، يعرضون بأنفسهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكف عن قتالهم، وأن يجليهم عن ديارهم، كان ذلك أمرا إلهيا خارقا للعادة، {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}، إذ لم يكن هذا المصير الذي انتهوا إليه بعد ست ليال من حصارهم منتظرا، لا عند المسلمين، ولا عند " بني النضير " أنفسهم، وقد كان في الإمكان أن يطول الحصار أسابيع وشهورا. وإذن " فالرعب " الذي ألقاه الله في قلوبهم، والهزيمة التي استولت على نفوسهم، هما العاملان الأساسيان في خروج " بني النضير " من حصونهم، واستسلامهم للرسول والمؤمنين، ورضاهم بالجلاء عن " المدينة " عاصمة الإسلام الأولى، وفي هذا الإطار من الظروف والملابسات نستطيع أن نفهم المراد بقوله تعالى في هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>