وانتقل كتاب الله إلى تقعيد قاعدة أساسية من قواعد الإسلام، وتأصيل أصل عظيم من أصول الدين، ذلك أن الدين الإسلامي دين توازن وتوسط واعتدال، لا يرجح جانب الروح على حساب المادة، ولا جانب المادة على حساب الروح، بل يعطي لكلا الجانبين حقهما المشروع، ويحض المؤمن على أن يعمل لينال في الدنيا حسنة، ويعمل لينال في الآخرة حسنة. وهذا المعنى واضح كل الوضوح فيما دعا إليه كتاب الله من إيقاف البيع عند النداء لصلاة الجمعة، والسعي إلى ذكر الله مع جمهرة المؤمنين المصلين، ثم ما دعا إليه من الانتشار في الأرض، وابتغاء فضل الله عند الانتهاء من صلاة الجمعة، وبذلك جمع كتاب الله بين مصلحة المؤمن المادية وحاجته الروحية، دون إجحاف بأي واحد منهما، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، ولذكر " الجمعة " وصلاتها في هذه الآية سميت السورة " سورة الجمعة "، والمراد بقوله تعالى هنا:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}: أي تأهبوا لصلاة الجمعة واهتموا بالسير إلى حيث تقام، قال ابن كثير: " وليس المراد بالسعي هنا المشي السريع، وإنما هو الاهتمام بها كقوله تعالى:{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ}(الإسراء: ١٦)، فأما المشي السريع إلى