وذلك لإقامة الحجة عليهم، {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ}، أي: أنهم عادوا على أنفسهم باللوم، وندموا حيث لا ينفعهم الندم.
ثم تحدث كتاب الله عن مراقبة الله في " الغيب "، تلك المراقبة الدقيقة التي لا يتم الإيمان بالغيب دونها، وهي أن ينكفّ المؤمن عن معصية الله، وإن كان لا يراه أحد، وأن يقوم بطاعة الله، وإن كان لا يشاهده أحد، " كمن دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، وكمن تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " فاستحقا أن يكونا من " السبعة الذين يظللهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله "، كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين. وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى هنا:{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
وامتَنَّ كتاب الله على عباده بالأرض التي سخرها لهم، وأعدها لانتفاعهم، إذ بارك فيها وقدر فيها أقواتها، ودعاهم إلى التمتع بما آتاهم من رزقه، فقال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}.
ثم أعاد كتاب الله الكرة مرة أخرى ليلفت نظر الإنسان إلى