طاعة الله والسعي في مرضاته، وذلك قوله تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ}، أي: كنت موقنا بأن هذا اليوم قادم لا محالة، {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}، أي عيشة مرضية، {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ}، أي: ثمارها سهلة القطف. وقوله تعالى:{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}، حكاية لخطاب التكريم والامتنان، الذي يوجهه إليهم ملائكة الرحمن من خزنة الجنان، بينما أصحاب الشمال بمجرد ما يؤتون كتابهم بشمالهم، يدركون أنهم من الأشقياء المعذبين عند الله، وفي الحين تنطق ألسنتهم بما يعبر عن دخائل نفوسهم، إذ يتمنون لو أنهم لم يعرفوا أي حساب، ويتمنون لو أنهم ماتوا موتة واحدة لا حياة بعدها ولا عقاب، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}.
ويفاجأ أصحاب الشمال بالحقيقة المؤلمة التي لم يكونوا ينتظرونها ولا يحسبون لها أي حساب، وهي أن " مالهم " الذي كانوا يتبجحون به على الفقراء، " وسلطانهم " الذي كانوا يستعلون به على الضعفاء، لا يغنيان عنهما من الله شيئا، فالآخرة إنما هي " دار الجزاء " على العمل: الجزاء بالثواب على العمل الصالح، والجزاء بالعقاب على العمل الفاسد، ولا عبرة فيها بما تواطأ عليه الناس من الاعتبارات السطحية، والقيم الوهمية وذلك ما ينطق