الآخرة، وما دام الحق سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإنسان على غير مثال سابق، وهو سبحانه غير مسبوق بغيره في خلق الإنسان وإبداعه، فأمر إعادة الإنسان بعد موته شيء يسير وهين بالنسبة لقدرته وحكمته، ولا حاجة إلى القسم عليه، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى:{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ}، وإلى هذا المعنى ينظر قوله تعالى في آية أخرى:{عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ}(الواقعة: ٦١).
وهناك تفسير آخر لقوله تعالى:{أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ}، بمعنى أن نخلق بدلهم أمة أخرى تطيع الله ولا تعصيه، وتصدق بيوم الدين ولا تشك فيه، على غرار قوله تعالى في آية ثانية:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}(محمد: ٣٨)، وقوله تعالى في آية ثالثة:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}(إبراهيم: ١٩). وهذا التفسير الأخير، هو الذي اختاره ابن جرير.
واتجه الخطاب الإلهي إلى الرسول عليه السلام، آمرا له بالإعراض عن المشركين والكافرين، بعد أن بلغ الرسالة إليهم، وأقام الحجة عليهم، مبينا أن من اختار منهم الضلال على الهدى والكفر على الإيمان، سيلقى جزاءه مقرونا بالذلة والهوان، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ * يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي