السلام، فأهلك جميع من كان على وجه الأرض من الكافرين وأغرقهم، ولم يستثن منهم أحدا حتى ولد نوح من صلبه، الذي كان اعتزل عن أبيه، كما قال تعالى في سورة هود:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ}، فرد عليه أبوه نوح قائلا:{لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ}، ولم يجد ولد نوح وسيلة للخلاص من العذاب، {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}، وإنما نجى الله سفينة نوح وحدها بمن فيها أصحابه المؤمنين، {وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، وإلى إغراق قوم نوح في الدنيا وعذابهم في الآخرة يشير قوله تعالى هنا:{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا}.
على أن الدافع الذي دفع نوحا عليه السلام إلى الدعاء على قومه بالإبادة والهلاك لم يكن مجرد الرغبة في الانتقام منهم، على عدم استجابتهم إلى دعوته، وعدم إيمانهم برسالته، وإنما كان دعاؤه عليهم اقتناعا منه بأنهم قد بلغوا في الانحراف والفساد والضلال، إلى حد أنه لم يبق أي أمل في هدايتهم، ولا أدنى رجاء في إصلاحهم، فقد أصبح مرضهم مزمنا وداؤهم عضالا، والعضو المتآكل لا ينفع فيه إلا البتر، " وآخر الدواء الكي " وإلى هذا المعنى المبرر لدعاء نوح عليه السلام على قومه، يشير قوله تعالى حكاية عنه وهو يخاطب ربه قائلا:{إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}.