وقوله تعالى:{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا}، أي: إن أولئك الرجال من الإنس الذين كانوا يعوذون برجال من الجن ظنوا كما يظن كفار الجن أن الله لن يبعث رسولا عقب " الفترة " التي مرت منذ بعثة عيسى عليه السلام، لكن ها هو الرسول قد بعثه الله، وها هو الكتاب قد أنزله الله.
وقوله تعالى:{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}، يفيد أن الجن كانوا خلال " عقد الفترة " بين رسالة عيسى عليه السلام ورسالة خاتم الأنبياء والمرسلين يحاولون الاتصال بالملأ الأعلى لاستراق السمع، لكن هذه المحاولة لم يبق لها مكان ولا إمكان، منذ بعث الله رسوله محمدا عليه السلام، وأنزل القرآن، فالطريق إلى الملأ الأعلى محروس بحرس شديد من عند الله، ويحيط به خط من الشهب الموجهة للحيلولة دون التطاول على أسرار علم الله.
وقوله تعالى:{وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}، اعتراف من مؤمني الجن بأنهم لا يعلمون الغيب، وأنهم تبعا لذلك لا يعرفون حكمة الله فيما أحاط به مكنون السماء، من الحرس الشديد، والشهب الثاقبة.
ومن اللطائف هنا ما في التعبير المحكي عنهم من الأدب مع الله، فقد أسندوا " الشر " إلى المجهول، ولم يبينوا فاعله: