وقوله تعالى:{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}، أي: أن ما تقدمونه بين أيديكم لآخرتكم تجدونه عند الله خيرا لكم مما أبقيتم وراءكم في دنياكم. روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إنما مال أحدكم ما قدم، ومال وارثه ما أخر "، رواه البخاري في صحيحه والنسائي في سننه.
وقوله تعالى:{وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، إشارة إلى الأثر الطيب الذي يثمره العمل الصالح، فإنه طريق إلى غفران الله ونيل رضوانه.
ولننتقل الآن إلى سورة " المدثر " المكية أيضا، مستعينين بالله، وقد ثبت في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله أنه كان يقول:" أول شيء نزل من القرآن {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، فقد سأله أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن، فقال له:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}، قال أبو سلمة: قلت: يقولون: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، قال له جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه مسلم أيضا وفيه: أن جابر بن عبد الله سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثه عن فترة الوحي، وأنه نزل عليه:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}، ثم حمي الوحي وتتابع. قال ابن كثير: " وخالف الجمهور جابر بن عبد الله، فذهبوا إلى أن أول القرآن نزولا قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}(العلق: ١)، ثم بين أن الجمع بين رواية جابر بن عبد الله ورأي الجمهور