وفي خلال هذا الوصف يقول الله تعالى بشأن عباده الأبرار:{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}، وقد فسره ابن كثير بأن الله تعالى طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة، اعتمادا منه على أثر روي في الموضوع عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وبذلك جمع لهم الحق سبحانه وتعالى بين نظارة الظاهر وجمال الباطن، إذ قال تعالى في حقهم في الربع السابق:{وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا}.
وتفضل الحق سبحانه وتعالى، فأعلن إلى عباده " الأبرار " أنه قد بر بوعده، وأوفى بعهده، فقال تعالى:{إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا}، بمعنى أن هذا النعيم المقيم الذي يتقلبون فيه- على سعته وعظمته- هو إحسان من الله إليهم، تكريما لتقواهم، وتقديرا لنواياهم، بالرغم من أنه لا نسبة بين عملهم المحدود المنتهي في الدنيا، ونعيم الله الواسع الذي لا نهاية له في دار الخلود.
وانتقل كتاب الله إلى دعوة الرسول عليه السلام إلى الثبات على الحق، وإلى تبشيره بمدد روحاني جديد يمده الله به من عنده، حتى يقوى على مواجهة قريش بعنادها وإصرارها وتكتلها، ومن ورائها إذ ذاك- من الجهة المعنوية- قوات الشرك والكفر والطغيان في العالم أجمع، مذكرا له بالرسالة العظمى التي أنزلها عليه في الذكر الحكيم، آمرا له بالاعتصام بالصبر والثبات، في وجه جميع العراقيل والعقبات، داعيا إياه إلى مكافحة الإثم والكفر كفاحا لا هوادة فيه ولا تنازل، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى: