للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والكونية، والاستغراق في مناجاته دون انقطاع، على حد قوله تعالى في سورة (المزمل: ٥): {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}، بمعنى أن قيام الليل هو أشد مواطأة بين القلب واللسان، وأجمع للخاطر عند تلاوة القرآن.

وعاد كتاب الله مرة أخرى إلى التنديد بموقف المشركين والكفار، وما هم عليه من الاستغراق في الشهوات والاستهتار، فقال تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا}، وقد جاء التعبير عن الدنيا في هذه السورة أيضا باسم " العاجلة " على غرار ما سبق في سورة (القيامة: ٢٠، ٢١)، إذ قال تعالى: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ}، " فالعاجلة " هي الحياة الدنيا، التي مهما طالت فهي قصيرة الأجل، ومهما أبطأت فهي مسرعة الخطى، وحظ كل إنسان منها أسرع وأقصر، بحيث لا يستحق أن يذكر، " واليوم الثقيل " الذي تركوه أمامهم، وتشير إليه الآية هنا، هو " يوم القيامة "، فهو " ثقيل " بتبعاته الكبيرة، ومسؤولياته الخطيرة، حيث يحشر الخلق أمام خالقهم للعرض والحساب، وهو " ثقيل " بنتائجه وعواقبه، حيث يتلقى الخلق أحكام خالقهم، إما بالثواب وإما بالعقاب.

وانتقلت الآيات الكريمة إلى التهوين من شأن " أصحاب العاجلة " المغرورين المستغرقين في شهواتهم، المنتهكين لحرمات الله، والمتعدين لحدوده، مبينة أنهم مدينون بكل شيء لله الذي خلقهم، والذي أمدهم بكل ما يستعملونه من طاقات وملكات، وأن ما يسيئون التصرف فيه، من نعم الله وعطاياه، إنما

<<  <  ج: ص:  >  >>