تتركه معرضا لأذى المشركين وعدوانهم، وبدلا من أن تتخذه أسوة لها في الصبر والثبات، فتلتف حوله، وتثبت معه إلى النهاية، يدخلها الرعب، ويداخلها الشك في نفس الرسول، هل عصمه الله من المشركين ولا يزال على قيد الحياة، أم تمكن منه الأعداء، وذلك قوله تعالى تأنيبا لهذه الطائفة {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} فقد أخذ يدعوهم قائلا: (إلي عباد الله إلي عباد الله) لكنهم لم يسمعوا ولم يجيبوا.
ثم عقبت الآية على ذلك بقوله تعالى تأديبا لهذه الفئة {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} أي فكان جزاء الله لكم أن ضاعف غمومكم، فزادكم غما على غم، والغم الأول غم الهزيمة التي أصابتهم، والغم الثاني غم معاودة المشركين الكرة، للهجوم عليهم في نفس الجبل، بعدما فروا إليه وتحصنوا به، والغم الثالث غم الدعاية الكاذبة التي روجها المشركون بين المسلمين، وفحواها أن الرسول قد قتل في المعركة، مما يدخل في حرب الأعصاب.
ثم نبهت الآية الكريمة إلى أن المؤمن الحق لا ينبغي له أن يحزن على ما فاته من نصر، ولا على ما أصابه من هزيمة، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم، تثبيتا لأنفسهم، وتطييبا لقلوبهم {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} - {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ}.
وجاء بعد ذلك التعقيب بقوله تعالى مخاطبا لهم {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي أنه سبحانه مطلع على أعمالكم، عليم بنواياكم، لا يغيب عنه منها شئ.