مستعينين بالله، وفي مطلع هذه السورة إشارة إلى جملة من القوات الكونية التي سخرها الله وبثها في الكون، لتنفيذ أمره فيه، وتدبير شؤونه طبقا لمشيئته، ووفقا لحكمته. فقال تعالى:{بسم الله الرحمن الرحيم وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ}.
ولتقريب معنى هذه الأشياء المقسم بها من الأذهان يمكن أن يكون معنى {النَّازِعَاتِ غَرْقًا} كل ما أودعت فيه قوة نزع الأشياء من مقارها بشدة، وأن يكون معنى {النَّاشِطَاتِ نَشْطًا} كل ما أودعت فيه قوة إخراج الأشياء في خفة ولين، وأن يكون معنى {السَّابِحَاتِ سَبْحًا} كل ما أودعت فيه قوة السرعة في تأدية وظائفه بسهولة ويسر، وأن يكون معنى {السَّابِقَاتِ سَبْقًا} كل الأشياء التي تسبق في أداء ما وكل إليها سبقا عظيما، وأن يكون معنى {الْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} كل الكائنات التي وكل الله إليها تدبير الأمور وتصريفها، بما أودع فيها من خصائص، وهذه المعاني التي اختارتها لجنة (المنتخب في تفسير القرآن الكريم)، هي أعم ما يمكن أن تحمل عليه المفردات الواردة في مطلع هذه السورة، المقسم بها على قيام الساعة وزلزلتها العظمى، {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}(الحج: ١)، وبذلك يقع تفادي ما وقع في تفسير هذه المفردات من تضارب واختلاف عند قدماء المفسرين، وقال ابن عباس:" الراجفة والرادفة هما النفختان الأولى والثانية " وقال مجاهد: " أما الأولى وهي قوله تعالى هنا: {يَوْمَ تَرْجُفُ