ثم بين كتاب الله أن للحق سبحانه على عباده حقوقا ثابتة في ذممهم، مقابل نعمه المتوالية عليهم، فهو سبحانه الذي انفرد بخلقهم وإبداعهم:{الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى}.
وهو سبحانه الذي حدد لكل مخلوق رسالته المنوطة به في هذا الوجود، وهداه إلى وسائلها ومسالكها:{وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}.
وهو سبحانه الذي أكرم الإنسان والحيوان، فيوفر لكل منهما ما يحتاج إليه من أنواع الغذاء الضرورية للعيش في مختلف فصول السنة، وفي مختلف أجواء الأرض، الحارة والباردة والمعتدلة:{وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى}، والمراد " بالمرعى " هنا جميع صنوف النباتات والزروع، والشأن في النبات أن يخرج أخضر، وهو معنى " أحوى "، ثم يذوي وييبس فإذا هو " غثاء ".
واتجه الخطاب الإلهي بعد ذلك إلى خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم، ممتنا عليه بأن الله تعالى قد تعهد بإقرائه الذكر الحكيم، كما تعهد سبحانه بإعانته على حفظ آياته البينات، إثر تلقيها له، دون أن يقرب ساحته ذهول ولا نسيان:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى}.
وقوله تعالى:{إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}، جار على مقتضى الأدب مع الله، على حد قوله تعالى في آية أخرى:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}(الإنسان: ٣٠)، وقوله تعالى:{وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}(المدثر: ٥٦)، وقوله تعالى في آية ثالثة: