ثم تعود الآيات الكريمة مرة أخرى لتثبيت المعاني الرئيسية السابقة في هذا الربع فتقول:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}، إذ الحكمة في إرسال الرسل هي تبليغ أوامر الله وتوجيهاته إلى عباده، ليسيروا في حياتهم الخاصة والعامة وفقا لها، وطبقا لمقتضاها، ومادام الرسول ثابت الصدق عن الله، ومضمون العصمة من الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، فلا بد لمن آمن به من أن يطيعه فيما أمر به ونهى عنه، دون أدنى تحفظ ولا أدنى اعتراض.
ويؤكد كتاب الله هذا المبدأ بكل قوة وبكل شدة، فيوجه خطابه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مقسما بالله العظيم على محتواه وفحواه {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
وبعدما أمر كتاب الله كافة المسلمين حكاما ومحكومين، رؤساء ومرءوسين، بطاعة الله ورسوله، وبرجوعهم إليهما، واحتكامهم عندهما، وتحكيمهم لهما، كلما وقع تنازع بين المسلمين أو اختلاف، وبعدما وصف كتاب الله بوصف النفاق وزعم الإيمان كل من يتهرب منهما، ويتحاكم إلى غيرهما، جاءت الآيات الكريمة تسجل فضل من أطاع الله ورسوله، وتبين أي ركب عظيم سيسير فيه، وأي الرفاق الأعلين سيكون برفقتهم في أعلى عليين، وذلك قوله تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا}.