ورغما عن موقف التلكؤ والتخاذل والتثبيط الذي يقفونه كلما خرج المسلمون للجهاد في سبيل الله، فإنهم بحكم روح النفاق والطمع، والانتهازية التي هم عليها، يأسفون بالغ الأسف عندما ينتصر المسلمون، ويرجعون من جهادهم سالمين غانمين، ويتمنون لو أنهم حضروا معهم وكانوا من بين الفائزين كما أنهم بحكم روح النفاق والجبن والأنانية التي عليها يفرحون كامل الفرح بتخلفهم وعدم حضورهم، عندما يرجع المجاهدون وقد خلفوا من ورائهم في ساحة الجهاد عددا من الشهداء في سبيل الله.
ويشير كتاب الله في نفس هاتين الآيتين إلى أن نفس التعبير الغامض الذي يستعمله المنافقون في الحديث عن المؤمنين ينبئ عن دخيلتهم، إذ لا يذكرونهم بوصفهم المميز، وإنما يستعملون في الحديث عنهم " ضمير الغائب المبهم " مما يدل على أنهم لا يجمعهم بهم أدنى رابطة، وعلى أن كل ما يتظاهرون به من المودة لهم محض زور وبهتان، وذلك ما يتضمنه قوله تعالى في ختام الربع الماضي {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا * وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
وعلى هذا المعنى الذي تتضمنه هاتان الآيتان وقع التعقيب بالآية الأولى في هذا الربع، وهي دعوة صادرة من الله تعالى إلى أولئك الذين استرخصوا أرواحهم في سبيله، لأن يقوموا بواجب الجهاد المقدس، غير ملتفتين إلى تخلف المنافقين وتثبيط المثبطين، كما