وأخيرا استعرض كتاب الله حال طائفة أخرى آثرت البقاء بمكة تحت سلطان الشرك والوثنية، لا لأن أفرادها من المستضعفين الذين أقعدهم العجز والضعف عن الهجرة إلى المدينة، ولكن لأن هواهم من هوى المشركين، ومصالحهم تقضي عليهم بمجاملة الشرك وأهله، والرضى بالبقاء تحت أمره ونهيه، والوقوف بجانبه عند الحاجة، ويعتبر كتاب الله أفراد الطائفة (ظالمي أنفسهم) لا مظلومين ولا مستضعفين.
ويصف القرآن الكريم حوارا يدور بينهم بعد موتهم وبين الملائكة، يتبين من خلاله ما تعودوا عليه من كذب ونفاق وميل إلى التضليل، وينتهي هذا الحوار بكشف الستار عنهم، وبسقوط ادعائهم الباطل، وبعقابهم من الله عقابا شديدا.
ثم يستثني كتاب الله من هذه الطائفة الظالمة المؤمنين المظلومين والمستضعفين حقا، وهم أولئك الذين لم يجدوا حيلة للخروج من مكة، ولا قدرة على الهجرة إلى المدينة، من الرجال العاجزين، والنساء الضعيفات، والولدان الصغار، ويفتح كتاب الله في وجه هؤلاء المستضعفين باب الأمل والرجاء في عفوه ومغفرته، جزاء ثقتهم بالله، وتعلقهم به، وهجرتهم بقلوبهم إلى الله ورسوله. ونقل عن ابن عباس أنه قال:(كنت أنا وأمي ممن عذر الله عز وجل، من المستضعفين، من النساء والولدان).