وفي بداية هذا الربع، تشير الآيات الكريمة إلى المرحلة التالية التي تبعت تلك المرحلة الأولى، فمن مرحلة التفكر والتأمل والنظر المجرد، التي تحدثت عنها الآيات السابقة، ينتقل إبراهيم الخليل إلى مرحلة المناظرة والمجادلة عن الحق، فيما بينه وبين قومه، وهذه المرحلة هي موضوع الآيات الأولى من ربعنا اليوم {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ}.
ونظرا لما أكرم الله به إبراهيم الخليل، إذ جعله {مِنَ الْمُوقِنِينَ} لا من الشاكين ولا من المترددين، فإن جوابه لقومه كان يحمل كل معاني الاستغراب من موقفهم، وكل علامات الرفض لدعاواهم، وهذا ما يفسر قوله الصادر عن إيمان كامل، واطمئنان تام {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ} فهل من العقل السليم أن يهتدي الإنسان، ثم يترك الهدى لينغمس في الضلال؟
وتمضي الآيات الكريمة في نفس السياق، لتشير إلى أن قوم إبراهيم أخذوا يخوفونه من غضب معبوداتهم ومن انتقامها، على غرار ما قالته عاد لنبيها هود {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} فما كان من إبراهيم الخليل إلا أن أعلن بلهجة المؤمن بربه، الواثق بحمايته من أذى الشيطان وحزبه، أنه لا يخاف معبوداتهم في قليل ولا كثير، لأن معبوداتهم لا تضر ولا تنفع، ولا تعي ولا تسمع، {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} على غرار ما قاله هود لقومه عاد {فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ}، وإنما يخاف إبراهيم ربه وحده دون سواه، فهو الذي لا يفلت من قبضته شيء، ولا