فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}. كما رأينا فيه كيف امتن سبحانه وتعالى على عباده بما خصهم به دون غيرهم من بقية المخلوقات، من نعمة الستر، وما آتاهم من المواد الصالحة لاستعمال اللباس الذي يواري سوآتهم، ويستر عوراتهم، وما أكرمهم به من الرياش والمتاع والأثاث زيادة في التوسعة عليهم، حتى يستوفوا حظهم، في العيش الكريم، من الضروريات والحاجيات والكماليات، ثم ما أعده لهم من لباس التقوى الذي هو أبهى لباس وأشرف حلة يتزين بها عباده المتقون {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} وإلى مثل هذا المعنى يشير قوله تعالى في سورة النحل: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}. ودعا الحق سبحانه وتعالى عباده إلى أن يظهروا نعمة الله عليهم فيتجملوا ويتزينوا، ولاسيما في مواطن الخير، كبيوت الله والمناسبات الدينية وما شابهها {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، كما دعاهم سبحانه إلى أن يقبلوا على مائدته الكريمة، ليتناولوا منها ما لذ وطاب، لكن حذرهم في نفس الوقت من مغبة الإسراف في الأكل والشراب، حفظا لصحتهم الغالية، وإعانة لهم على القيام بواجباتهم الدينية والدنيوية، {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} قال بعض السلف: جمع الله الطب كله في نصف آية {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}.