ونفس الموقف الذي وقفه الملأ - وهم القادة والسادة من نوح وهود، يقفه الملأ من صالح أيضا، كما حكى كتاب الله ذلك عنهم:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا} - أي المؤمنون المستضعفون - {إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} - وهم الملأ - {إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}.
وكما كان مصرع قوم نوح وقوم هود بعد الإنذار لهم والإنكار منهم جاء مصرع قوم صالح بنفس التدريج ونفس الترتيب {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} - {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}. وترتيب هذه الآية كما في التلاوة جاء على أسلوب التقديم والتأخير، كما نبه على ذلك القاضي عبد الجبار، وهو مستعمل كثيرا في لسان العرب.
وتمضي الآيات الكريمة في هذا الربع وما بعده فتعرض علينا قصة لوط عليه السلام مع قومه، ولوط هو ابن أخ إبراهيم الخليل عليه السلام، كما تعرض علينا قصة شعيب مع قومه أيضا، وفي كلتا القصتين نجد ملامح مشتركة مع ما في القصص السابقة لبقية الأنبياء، فعن موقف قوم لوط من نبيهم يقول كتاب الله:{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}، وعن موقف قوم شعيب من نبيهم يقول كتاب الله:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا}.