الذي هددوا به شعيبا وصحبه، فهو التهديد بالنفي والإبعاد عن الوطن، كما هدد قوم لوط لوطا وأهله من قبل، {إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} فها هم قوم شعيب يقلدونهم ويهددونه بنفس الأمر {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا} مما يدل على أن البشر قد عرفوا هذا النوع من العقوبات منذ عهد قديم، وذلك حرصا منهم على أن تبقى دار لقمان على حالها، فتستمر رياستهم الزائفة قائمة، ويبقى استغلالهم الفاحش مستمرا، إذ من أهم ما أخذهم به نبيهم شعيب عليه السلام تطفيفهم في الكيل والميزان، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وإفسادهم في الأرض بعد إصلاحها، ألم يقل لهم، كما سبق في الربع الماضي منذرا ومحذرا {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
وكتاب الله عندما عرض هذه القصة كشأنه في غيرها من القصص، إنما عرضها للاعتبار وضرب المثل بالنسبة لكافة المؤمنين، فليس الأمر بتوفية الكيل والميزان، وليس النهي عن بخس الناس أشياءهم واستغلالهم استغلالا فاحشا، وليس التحذير من الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، مجرد تعليمات عامة وتوجيهات إلهية، قاصرة على قوم شعيب دون من دونهم، بحيث يعتبر غيرهم في حل منها، بل هي تعليمات عامة وتوجيهات أبدية إلى كافة المؤمنين في جميع العصور والأجيال. ووصف " الإيمان " المشترك بين كافة المؤمنين يقتضيها ويتضمنها، ولا يسمح بما يضادها أو يناقضها،