أن للأمة الإسلامية، وغيرها من الأمم حسابا طويلا وعسيرا مع بني إسرائيل - علاوة على حساب نبيهم موسى نفسه معهم - بدأ منذ ظهور الرسالة المحمدية، ولم ينته ذلك الحساب حتى الآن، فالله تعالى يريد أن يكون المسلمون أولا، وغيرهم بالتبع، على بينة من أمر بني إسرائيل والأطوار التي تقلبوا فيها جملة وتفصيلا، حتى يعدوا العدة لمواجهة دسائسهم، والوقوف في وجه مطامعهم جيلا فجيلا، وبديهي أن كتاب الله لا يورد القصص على أنها نوادر وأسمار، وإنما يوردها تنويرا للبصائر والأبصار.
وفي بداية هذا الربع يشير كتاب الله إلى باطل فرعون وسحرته، وما جاؤوا به من سحر عظيم، طمعا في مال فرعون وزلفى إليه، وإلى أن باطلهم قد زهق أمام الحق الذي أبرزه الله على يد موسى وعصاه {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.
ويحكي كتاب الله هول المفاجأة الكبرى التي فوجئ بها فرعون وملأه عندما سجد السحرة لله، أمام معجزة موسى، وآمنوا برسالته، فاستنكر عليهم فرعون أن يؤمنوا بموسى دون إذن منه، كأن الإيمان عملية مادية يستطيع الضمير لها دفعا، وكأن مفاتيح القلوب في أيدي الطغاة والجبابرة يفتحونها متى شاؤوا ويقفلونها متى شاؤوا {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ}.
واتهم فرعون سحرته بعد إيمانهم بأنهم دبروا مع موسى مؤامرة لقلب نظام الدولة، وإخراج السلطة من يده ويد أعوانه، كما