للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأعلن كتاب الله نوع العقاب الصارم الذي عاقبهم به جزاء تحايلهم على أوامره، وتحللهم من نواهيه، إذ قال تعالى: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} وفي قوة هذه الصيغة ما يفيد معنى القسم، و " تأذن " بمعنى أمر وأعلم، وقال تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا} على غرار ما سبق في سورة البقرة المدنية: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ، فجعلناها نكلا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين}.

وأخيرا كشف كتاب الله النقاب عن الحكمة الإلهية فيما تقلب فيه بنو إسرائيل - ولا يزالون يتقلبون - من أطوار، بين الشدة والرخاء، والسراء والضراء، والنعمة والنقمة، فقال تعالى: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. لكنهم استمروا على خيانة العهد كلما عاهدوا، وعلى نقض الميثاق كلما واثقوا: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ} إلا أنهم ما لبثوا أن جعلوا كتابهم بضاعة للبيع والشراء، حسب مقتضيات الأغراض والأهواء: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ}؟.

وختم هذا الربع مؤكدا أن الدار الآخرة هي أحق من الدنيا بالعمل من أجلها والرجاء فيها، وهي خير للمتقين من كل الوجوه: {وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} ومنوها بالأجر العظيم الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>