وكلمة الأنفال هنا تعني بالخصوص الغنائم التي غنمها المجاهدون في غزوة بدر، فقد كانت أول شيء من نوعه بالنسبة لكثير منهم، فبادر الوحي الإلهي إلى التصريح بما يرفع في شأنها كل غموض، ويرفع في أمرها كل نزاع، وأعلن كتاب الله أن الحكم الخاص بها موكول إلى الله ورسوله رأسا، لأن حكمهما لا يلحقه ميل ولا حيف ولا جور، ولم يكن الحكم فيها موكولا إلى اجتهاد المجاهدين أنفسهم، حذرا من أن يكون في حكمهم دخل لاعتبارات لا علاقة لها بالجهاد، وذلك معنى قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} ثم جاء الحكم في شأنها مفصلا كما سيأتي في قوله تعالى في نفس السورة: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} الآية.
ونبهت الآيات الكريمة إلى أن الحكمة الإلهية في جعل الحكم في الغنائم موكولا إلى الله ورسوله هو تنقية الجو من كل ما يؤدي إلى فساد ذات البين بين الإخوة المجاهدين، وحمايتهم من عوامل الشقاق والنزاع، إذ متى كان الحكم في أمر من الأمور صادرا عن الله ورسوله، فلن يسع المؤمنين أجمعين إلا طاعة حكمهما، والائتمار بأمرهما، ومن شأن المؤمن إذا ذكر الله أمامه أن يخشع ويلين، ويخضع لحكمه ويستكين، وذلك ما أشار إليه قوله تعالى بعد مطلع سورة الأنفال-آخر الربع الماضي-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} -