ماتت، ولم تعد تنبض بأي إحساس كريم أو شعور نبيل، فكيف يهبون لنصرة المثل الأعلى الذي يمثله الإسلام، وقد {طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}.
وفي نفس الآية تنبيه إلى أن عقولهم قد أناخ عليها كابوس الجهل، وعشش فيها بوم الوهم، فكيف يقدرون الرسالة السامية التي جاء بها الإسلام، وكيف يقدمون أنفسهم وأموالهم قربانا لها وفداء في سبيلها (وهم لا يعلمون).
وقبل أن يعود كتاب الله إلى الحديث عما ينتظر أن يفعله أولئك الأغنياء المتخلفون، عندما يعود رسول الله سالما من غزوة تبوك، ويعود معه المؤمنون أخبر الله رسوله بذلك، فقال تعالى:{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ}. فقد كانوا يظنون بالله ورسوله الظنون، وكانوا يعتقدون في قرارة أنفسهم أن غزوة تبوك مغامرة كبرى مآلها المحقق في نظرهم القاصر أن ينتصر الروم وينهزم المسلمون، وإذ ذاك يستريحون منهم، ويستأنفون حياة الشرك والنفاق، لكن الله سلم، وألقى الرعب في صفوف العدو، فانسحب إلى حصونه الخلفية، وتفادى كل اشتباك مع القوات الإسلامية، رغما عن مرابطتها في " تبوك " على أهبة الاستعداد حوالي شهر كامل، وبذلك انقلب الوضع رأسا على عقب، وأصبح المتخلفون عن الجهاد الظانون بالله الظنون في مركز حرج، وتيقن الجميع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عائد على رأس جيش الإسلام المظفر إلى قاعدته الرئيسية بالمدينة المنورة، وإلى أنه سيحاسب المقصرين على تقصيرهم.