أما الجزء الأول من سورة يونس فهو يتضمن تنويها بآيات الذكر الحكيم، وتنبيها إلى أن إرسال الرسل إلى الناس من نفس البشر، لا من بين الملائكة، أمر لا غرابة فيه، بل هو الأمر المعقول والمنتظر، كما يتضمن تبشير للمؤمنين بمكانتهم الخاصة عند الله، وتفصيلا لنشأة الكون الواسع، وما يتعاقب عليه من مظاهم وأطوار، وتوجيها إلى التدبر في آيات الله، ومن بينها تعاقب الشمس والقمر واختلاف الليل والنهار، ووصفا لما ينتهي إليه من يرجو لقاء الله من حسن المآب، وما ينتهي إليه من لا يرجو ذلك اللقاء ولا يحسب له آي حساب.
ولنقف الآن وقفة قصيرة عند بعض الآيات الواردة في هذا الربع، بقدر ما يسمح به الوقت المخصص لهذه الحصة.
يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} وهذه الآية سبقتها آية أخرى في نفس الموضوع، وفي نفس هذه السورة سورة التوبة، وهي قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}.
غير أنه يوجد بين هاتين الآيتين فرق فهم، ذلك أن الآية السابقة أمرت بجهاد الكفار عموما القريب منهم والبعيد، بينما الآية الواردة في هذا الربع ترشد المؤمنين إلى نوع خاص من الكفار الذين يجب البدء بقتالهم بالخصوص، وهؤلاء الكفار الذين