وهكذا بينت الآيات الكريمة أن الذكر الحكيم والقرآن الكريم إنما هو كتاب الله المطابق لما في اللوح المحفوظ، منه بدأ وإليه يعود، وليس كتاب رسوله حتى يكون للرسول فيه دخل من قريب أو بعيد، كما بينت الآيات الكريمة أن الرسول إنما يتلقى الوحي عن الله في الوقت الذي يريد الله أن يوحي إليه، وأن الوحي الذي يتلقاه من عند الله لا يملك له الرسول تبديلا ولا تغييرا، وأن دور الرسول الوحيد هو أن يبلغه إلى الناس كما أنزل، وأن تلاوة الرسول للقرآن على الناس إنما هي بأمر الله وتيسيره، ولولا اصطفاؤه للرسالة وتيسيره لها لما استطاع أن يتخطى المستوى الذي كان عليه قبلها، فقد قضى الرسول بين ظهراني قومه أربعين سنة، دون أن ينبس من هذا النوع المعجز ببنت شفة، حتى جاءه الله بالرسالة، وأكرمه بالوحي، وأنزل عليه القرآن وكلفه بالتبليغ والبيان، فكان ما كان، مما تناقلته الركبان، واستدار له الزمان، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق: ١، ٢، ٣، ٤، ٥]، {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[المزمل: ٤].
وتحدث كتاب الله في هذا الربع عن استخلافه لخلقه في هذه الأرض، ابتلاء لهم واختبارا، حتى يتجلى في تصرفاتهم ما