وبعدما وجه كتاب الله هذه الدعوة العامة التي لم يميز فيها طائفة عن أخرى، ولا جيلا عن جيل، ولا سلالة عن سلالة، بين الحق سبحانه وتعالى أن الذين يلبونها ويستجيبون لها، ويلتزمون السير بمقتضى صراط الله، ومنهجه في الحياة، هم الذين يهتدون ولا يضلون، ويسيرون سيرا حثيثا إلى دار السلام، ثم يصلون إليها في أمن وسلام، فقال تعالى:{وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
وفي بداية هذا الربع مضى كتاب الله في نفس السياق يتمم الحديث عن الذين لبوا دعوة الله، واستجابوا لما يحييهم حياة باقية، فقال تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. والذين أحسنوا هم الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، نية واعتقادا، قولا وعملا، فكانت نياتهم حسنة، ومعتقداتهم حسنة، وأعمالهم حسنة، وأقوالهم حسنة، وهم قدوة حسنة في الهداية والاهتداء، وعنصر خير وصلاح في الظاهر والباطن. {والحسنى} التي بشرهم الله بها هي أحسن الجزاء وأعلاه درجة عند الله. {والزيادة} هي مضاعفة ثواب الحسنة من عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ورضوان الله أكبر. {والقتر} هو ما يعلو وجوه الفجرة والكفرة من اكفهرار الوجه وكدر اللون في عرصات المحشر، من شدة هول الموقف، وما فيه من كرب وحزن وضيق. {والذلة} هي ما يلحق الفجار والكفار من هوان وصغار في تلك الدار، جزاء ما كانوا عليه من الطغيان والاستكبار في هذه الدار. وكما تعهد