الواحد الأحد، والحيلولة بينهم وبين الصلاة فيه والحج إليه، على غرار ما جاء في آية كريمة أخرى تقول:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
فهاهو القرآن الكريم يرفع عقيرته ضد احتكار المشركين للبيت الحرام، وتدنيسهم له بوضع التماثيل والأصنام، وتحويلهم إياه عن الهدف السامي الذي أقيم لأجله منذ أقدم الأيام.
ومادام الأمر هكذا، وقد هاجر المسلمون إلى المدينة وفارق كثير منهم مكة التي أصبحت (دار حرب) بالنسبة للمسلمين وهم على أبواب تكوين مجتمع جديد، من طراز فريد، فلم لا يتوجهون بصلاتهم-ولو مؤقتا- إلى صخرة بيت المقدس، التي لها نوع شبيه ولو بعيد بالبيت الحرام، وبذلك يوجهون طعنة كبرى في الصميم إلى استغلال الشرك والوثنية، ويعلنون احتجاجهم الصارخ على احتكار مشركي قريش لبيت الله، وتحويلهم له عن هدفه الأول، الذي من أجله أقامه إبراهيم، وساعده فيه إسماعيل، ألا وهو عبادة الله وحده لا شريك له، لا عبادة الأوثان والأصنام.
على أن توجه المسلمين في المدينة إلى بيت المقدس موقتا بدلا من البيت الحرام الذي كان لا يزال الشرك مسيطرا عليه، ومحتكرا له إذ ذاك، يقوم في نفس الوقت مقام اختبار نفسي وديني لنفس المهاجرين والأنصار، فهو اختبار لقوة إيمانهم، وامتحان لدرجة امتثالهم، وجس لنبض من قد يكون مدسوسا بينهم من المنافقين