الصدمات، ضعيف كل الضعف عن مواجهة الأزمات، وكلما طال به أمد الشدة تضاءل أمام نفسه وأمام الناس، فيصبح قزما بعدما كان عملاقا، ويعود حماما وديعا بعدما كان سبعا ضاريا، كما أنه إذا أصابه رخاء بعد الشدة عاجله البطر بالنعمة، وأصابه نوع من الإغماء والذهول من شدة الفرح الزائد عن الحد المعتاد، فلم يعد يضبط نفسه ولا عواطفه، واعتقد أن الرخاء الذي نزل بساحته سوف لا يفارقه إلى الأبد، فأمن مكر الله، ونسي نعمة الله، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا في إيجاز وإعجاز: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} أي شديد الفرح بنفسه، كثير الفخر والتطاول على غيره.
وقوله تعالى في نفس السياق:{إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} المراد به استثناء الصنف المؤمن بالله المتمسك بالإيمان والصبر، من هذا الحكم العام، وهو استثناء متصل، من جنس الإنسان، ذلك أن إيمان المؤمن بقضاء الله، وصبره على ضيق الشدة، وعلى سعة الرخاء -وكلاهما يحتاج إلى صبر- كلها أدوية فعالة تجعل المؤمن الصابر في حصانة ومناعة، من أن يصبح في وقت الشدة يؤوسا كفورا، وفي وقت الرخاء فرحا فخورا. وبذلك استحق هذا الصنف المؤمن رضا الله وثوابه الجزيل، فقال تعالى في شأنه:{أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}.
ونبه الحق سبحانه وتعالى إلى أنه إذا اختار فريق من الناس