ويمكن حمل الاستثناء الوارد في هذا السياق على طريق التأدب مع الله، كقولك " إن شاء الله " مصداقا لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[الكهف: ٢٣، ٢٤] ومنه قوله تعالى في سورة الأعراف: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}[الآية: ٤٩]، وقوله تعالى في سورة الأعلى:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}[الآيتان: ٦، ٧].
وقوله تعالى تعقيبا على حكمه في شأن الأشقياء:{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} إشارة إلى أن الإرادة الإلهية نافذة لا يلحقها أي خلل أو أي تعطيل، فقد بعث الله إلى الناس الرسل، وأقام عليهم الحجج، وأنذرهم سوء العاقبة، وها هو يثبت لهم أن الأمر جد لا هزل، وأن قوله قول فصل، {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}[الطارق: ١٣، ١٤] وبذلك يكون عذابهم مطابقا لمقتضى العدل، ومنسجما مع روح الحكمة.
وقوله تعالى تعقيبا على وصفه لحال السعداء:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي عطاء غير مقطوع، فيه طمأنينة لقلوبهم، وتطييب لخواطرهم، ورفع لأثر التوهم الذي يشعر به الاستثناء الوارد أيضا في سياق الحديث عنهم {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} إذ أن ظاهره يوهم احتمال انقطاع العطاء الإلهي عنهم، حيث أن ذلك العطاء ليس أمرا واجبا على الله، وإنما هو موكول إلى مجرد مشيئته، ومحض منته، ولا يبعد أن تكون الحكمة في هذا الاستثناء بالنسبة للسعداء،