أما بالنسبة للمذهب المالكي، فربما كان أول من كتب في ذلك أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت ٦٨٤ هـ) الَّذي ضمن كتابه (الفروق) ثمانية وأربعين وخمسمائة قاعدة. كما صرح بذلك في مقدمة الكتاب، ثم جاء بعده أبو عبد الله محمد بن محمد المقري (ت - ٧٥٨ هـ)، فألف كتابه "القواعد في أصول مسائل الخلاف" استهله بقوله: " ... قصدت إلى تمهيد ألف ومائتي قاعدة، هي الأصول القريبة لأمهات مسائل الخلاف (٣٦) ... ".
إلَّا أن جملة منها متداخلة، وهي في صيغها - على العموم - غامضة، تحتاج إلى مجهود جبار لتنقيحها وتحريرها، وفكر وقاد لإبراز محتواها العلمي والفقهي.
فجاء أبو العباس الونشريسي، فانتقى أهم القواعد، وضمنها هذا المختصر الَّذي أسماه "إيضاح المسالك، إلى قواعد الإمام أبي عبد الله مالك". وجمع تحت كل قاعدة - غالبًا - مجموعة هائلة من المسائل والأحكام، بحيث لو تتبعها الباحث لاستخرج منها - وحدها - مجلدًا ضخما من المسائل الفقهية، وربما حاول أن يضفي عليها شيئًا من الوضوح، إلا أن طبيعة القواعد، والمسائل المدرجة تحت كل قاعدة ومحاولة استيعابها - لم تسمح له بذلك. لهذا كلّه، كان هذا الكتاب فريد نوعه، في مادته، ومنهجه كما أشرت إلى ذلك آنفا.