إن المصائب والمحن التي واجهها المسلمون بعد هجرتهم إلى المدينة المنورة كانت متباينة تماما مما أصابهم في مكة المكرمة، وقد نشأ في المدينة رهط من المنافقين، كان شغلهم الشاغل التآمر ضد المسلمين ونسج خيوط المكر والدهاء للإيقاع في المسلمين.
ولا شك أن العرض والناموس هو رأس مال الإنسان وأغلى متاع عنده، والهجوم على أعراض الناس والطعن فيها والنيل من نواميسهم لا يجترئ على ذلك إلا العدو اللئيم الحقير الخسيس، وكما أن المدينة المنورة كانت مأوى ومستقرا للمؤمنين الصادقين المتفانين في سبيل الله، أصحاب الإخلاص والوفاء، أولي الهمم العالية والتضحيات الجليلة العظيمة، كذلك نشأت هناك طائفة من الأعداء الخائنين الخاتلين الذين كانوا يكتمون النفاق في قلوبهم، وكان جل اهتمامهم الغدر والخيانة بالمسلمين والتآمر ضدهم بسائر الطرق المتاحة لديهم، وكان سلاحهم الأقوى والأكبر هو بث الإشاعات الكاذبة ونشر الأخبار المزورة التي تنال من حرمات المسلمين وأعراضهم، وتهتك حرماتهم، كما أنها تهيئ الأسباب والدوافع لإشعال الحروب الأهلية، وتوفر مناخا مناسبا وجوا ملائما لها.
ولو لم يكن توفيق الله سبحانه وتعلى حليفا للمسلمين، والعناية الإلهية حافة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لتكللت جهودهم السيئة هذه بالنجاح، وأثاروا الفتن في المجتمع الإسلامي، ليس عن طريق التفريق بين الصحابة وتشتيت شملهم فحسب، بل بإيجاب أسباب ودوافع للتقاتل والتحارب وإسالة الدماء.
هذا ومن أسوأ وأقبح الأمثلة لهذه الجهود التي قامت بها القلوب الحاقدة ضد المسلمين حادثة الإفك، ولما كان سيدنا أبو بكر الصديق (ض)