للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* كانت صفية بنت حيي أم المؤمنين (ض) قد حاضت ليلة النفر فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أحابستنا هي؟ فقيل: إنها أفاضت، فقال: فلا إذا)) (١) فاستنبطت منه عائشة أن طواف الوداع ليس بواجب على أصحاب الأعذار، فكل النساء اللاتي كانت تحج معها تعمل بهذا الحكم.

تقول عمرة بنت عبد الرحمن: ((إن عائشة أم المؤمنين (ض) كانت إذا حجت ومعها نساء تخاف أن يحضن قدمتهن يوم النحر فأفضن، فإن حضن بعد ذلك لم تنتظرهن فتفر بهن وهن حيض، إذا كن قد أفضن) ((٢).

[القياس العقلي]

ويأتي دور القياس بعد الكتاب والسنة، وليس معنى القياس العقلي أن يأتي من هب ودب ويقضي بحكم ما في دين الله تعالى بعقله، وإنما المقصود من ذلك أولئك العلماء الجهابذة الذين أكرمهم الله تعالى بالتفقه في الدين، فبرعوا فيه وصارت لهم ملكة في ذلك، ورسخت علومهم في فهم الكتاب والسنة، واستفرغوا كل المجهودات في الوصول إلى أعماق الأحكام الشرعية، ومارسوا الاجتهاد بمعنى الكلمة، فأمثال هؤلاء العباقرة إذا عرضت لهم مسألة فإنهم يدركون مباشرة بما أودع الله فيهم من المواهب والقدرات أن الشارع لو كان موجودا لحكم بكذا في قضية كذا، مثل المحامي البارع الخبير الذي مرت عليه نظائر وأحكام كثيرة لمحكمة خاصة، إذا رأى قضية تشبه السابقة فإنه يستطيع أن يقول بكل ثقة واعتماد: إن هذه القضية لو رفعت في المحكمة الفلانية، لقضت بالحكم الفلاني.

ونحن نعلم مدى سعة اطلاع أم المؤمنين عائشة (ض)، وعلمها الراسخ وفهمها العميق لنظام الشريعة وأحكامها، ولذا فنسبة الأخطاء في قياساتها تكون ضئيلة جدا، والأمثلة الآتية تسلط الضوء على قياسها العقلي:

١ - كانت النساء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - تدخل المساجد وتصلي بالجماعة مع


(١) موطأ الإمام مالك باب إفاضة الحائض ٤١٢/ ١ رقم ٩٢٦.
(٢) نفس المصدر برقم ٩٢٨.

<<  <   >  >>