ما سبق من الأدلة على فضل عائشة (ض) وكمالها في مختلف المباحث وتحت عديد من العناوين يصور لنا بكل وضوح حياة عائشة (ض) بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبإمكاننا أن ندرك كيف أنها قضت بقية عمرها كمرجع أساسي للسائلين والمستفتين ومثابة للزوار والطالبين، وقدوة يقتدى بها في سائر المجالات والشؤون، لكن من حسن حظنا أن خزانة تراثنا الإسلامي غنية بتلك الشهادات المسجلة القاطعة والحاسمة التي تؤكد لنا وتجعلنا نقطع بالقول إن عائشة (ض) كانت مرجع الصحابة في كل شيء، وما أشكل عليهم شيء من الحديث أو الفقه إلا وجدوا عندها منه علما، وكان الأكابر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومشيختهم يسألونها ويستفتونها.
تقسيم ابن قيم علماء الصحابة المفتين:
هذا وقد صنف المحدثون علماء الصحابة إلى ثلاث طبقات، وذلك نظرا إلى قلة أو كثرة فتاواهم: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وكانوا بين مكثر منها ومقل ومتوسط)):
المكثرون من الفتيا: والذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مئة ونيف وثلاثون نفسا ما بين رجل وامرأة، وكان المكثرون منهم سبعة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس (ض). قال أبو محمد ابن حزم: ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم سفر ضخم، قال: وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب ابن أمير المؤمنين المأمون فتيا عبد الله بن عباس (ض) في عشرين كتابا، وأبو بكر محمد المذكور أحد أئمة الإسلام في العلم والحديث.
المتوسطون في الفتيا: قال أبو محمد: والمتوسطون منهم فيما روي عنهم من الفتيا أبو بكر الصديق، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير (ض) ... الخ.