للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخمسين صفحة من الطبعة المصرية بحيث لو جمعت في صحيفة مستقلة لخرجت في شكل كتاب ضخم.

[الاهتمام بالدراية مع الرواية عند المكثرين من الصحابة]

ومما لا شك فيه أن فضل أم المؤمنين عائشة (ض) ومكانتها العالية ليس في كثرة الرواية فقط، وإنما الشيء الذي يميزها والجوهر الأصلي الذي يفضلها هو الدقة والبراعة في الفهم، والقوة في الاجتهاد والإدراك، والعمق في التفقه والاستنباط، ولذلك نرى أن كبار فقهاء الصحابة وأصحاب الفتيا منهم معظمهم من المقلين في الرواية. بخلاف الذين يحدثون كل ما يسمعونه فهم عادة يقل فيهم الاعتناء بالفهم والدراية وقوة الاستنباط، ولذلك نرى أن الصحابة الخمس الذين ذكرت أسماؤهم في جدول المكثرين يعدهم الأصوليون من رواة الحديث فقط، وهم ليسوا من فقهاء الصحابة، وكل ما لدينا من ذخائر السنة النبوية وخزائن الحديث الشريف لم نطلع فيها لسيدنا أبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك (ض)، على أي اجتهاد أو استنباط حكم من كتاب أو سنة لمسألة لم يرد فيها نص صريح من الشارع الحكيم. ولم يشارك عائشة (ض) في هذه الفضيلة العظيمة والميزة المباركة،- ألا وهي العناية بالتفقه والاجتهاد وقوة الاستنباط -إلا عبد الله بن عباس (ض)، وهو الذي قد رزقه الله ملكة في التفقه في الدين وبراعة في الاجتهاد وإدراكا في المعرفة وقوة في الاجتهاد والاستنباط مع كثرة الرواية.

[اعتناء عائشة (ض) ببيان حكم وأساب الحكم الشرعي]

هذا وبالإضافة إلى خصائص عائشة في الرواية من الكثرة والتفقه والدراية وقوة التفكير وطاقة الاسنباط والاستخراج هناك ميزة أخرى لمرويات عائشة. وهي أنها لما تبدأ في بيان الحكم لا تقتصر على بيان حكم من الأحكام الشرعية في مسألة ما، وإنما تقوم بتوضيح علل ذلك الحكم وشرح مصالحها وحكمها، حتى يرسخ ذلك الحكم في ذهن السائل والسامع ويقتنع بمشروعيته، وأوضح دليل على ذلك حديث الاغتسال يوم الجمعة، فقد أخرجه

<<  <   >  >>