للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأيقن الجميع ان الصلح قريب، ولكن أدرك الثائرون على عثمان (ض) أن الصلح ليس في صالحهم، وأن الدائرة ستدور عليهم، وأن كل ما بذلوه من الجهود طوال السنوات الماضية سيذهب سدى في لحظة واحدة، وكان أكثر السبئية مع علي (ض)، وبات الفريقان على الصلح، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورون، ثم اتفقوا على إنشاب الحرب في السر، واستسروا ذلك خشية أن يفطن بما حاولوا من الشر، فغذوا مع الغلس، وما يشعر بهم جيرانهم، وانسلوا إلى ذلك الأمر انسلالا، وعليهم ظلمة، فخرج مضريهم إلى مضريهم، وربعيهم إلى ربعيهم، ويمانيهم إلى يمانيهم، فوضعوا فيهم السلاح، فثار أهل البصرة، وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين

بهتوهم (١).

وهكذا قامت الحرب على قدم وساق، وتبارز الفرسان وجالت الشجعان، وكان علي (ض) ينادي: أيها الناس كفوا فلا شيء، فلا يسمع أحد، وثار كل فريق إلى سلاحه، وقام الناس من منامهم إلى السلاح فقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلا وبيتونا وغدروا بنا، وأصبحوا على القتال، فلما سمعت عائشة (ض) بالغوغاء سألت: ما هذا؟ فقالوا: ضجة العسكر، وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة (ض) فقال: أدركي، فقد أبى القوم إلا القتال، لعل الله يصلح بك، فركبت وألبسوا هودجها الأدرع ثم بعثوا جملها.

[تذكير علي طلحة والزبير بمقالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورجوعهما عن المعركة، وشهادة الزبير]

وطلب علي طلحة والزبير ليكلمهما، فاجتمعوا حتى التقت أعناق خيولهم، وذكرهما بمقالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفيها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر عليهما فقال لعلي: ما يقول ابن عمتك؟ ((ليقاتلنك وهو لك ظالم)) (٢). فانصرف عنه الزبير


(١) تاريخ الطبري ٣/ ٤٠ - ٣٩، البداية والنهاية ٢٤٠/ ٧.
(٢) تاريخ الطبري ٣/ ٤٠.

<<  <   >  >>